مراوحة بين الوجود والعدم وحياة مضطربة في واقع عشوائي
في الساعات الأخيرة من عام منصرم، يشعر عصام، الصحفي الشاب في إحدى الصحف، بأن كل الكائنات تآمرت عليه. وبدلا من أن يدخل عامه الأربعين مسلحا بحكمة الأنبياء ومجد الفكر والعمل الصحفي المرموق والاستقرار العائلي والعاطفي، يجد نفسه مفصولا من عمله لأنه أخطأ في كتابة تقرير صحفي، وعرضة لأن يفقد حبيبته التي يعيش معها “على سنة آدم”، كما يقول، بعد أن تكتشف صاحبة المنزل أنهما ليسا متزوجين “على سنة الله ورسوله”، ويقع في أزمة نفسية وصحية تكاد أن تودي بحياته، لكن حبيبته سناء تنقذه في اللحظات الأخيرة من العام وهي تبشره بأنها حامل وتطلب منه أن يسمع صوت ابنهما في رحمها. وتقول آخر سطور الرواية: “بصعوبة، يحاول القيام، متشبثا بخريطة على الجدار. يمزق الشاطئ بأصابعه، وتفيض المياه، وتوشك إمبابه على الغرق. يتحامل على نفسه، يريد أن يشهد الطوفان، من السطح أو من النافذة. يبحث عن باب.
بطل الرواية تلبسته منذ الطفولة وهو بعد في “كُتَّاب” الشيخ حسن فكرة النبوة، لكن الشيخ يختم الدرس “بحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين”. يقول الراوي: “تأكد بعدها أن النبوة غادرت زمانه كله”. لكنه لا يتخلى عن هذا الهاجس حتى بعد أن أصبح كاتبا صحفيا يضطهده مدير التحرير الذي يصطفي حوله أنصاف الموهوبين والمداهنين. حلم دائما بأن يكون له حواريون. ووجدهم في أبناء إمبابة وبولاق الدكرور وغيرهم من متمردي الأحياء الفقيرة الذين كان يحرضهم على انتزاع أسباب سعادتهم. لم يجد من الحواريين سوى مصطفى، رفيق الحي الفقير الذي يسكنه والذي يساعد أباه في بيع الكبدة على عربة يد. سخر منه مصطفى وقال له إن الحواريين هم أبناء الحواري، حواري إمبابة وبولاق وأبو قتاتة وأرض اللواء والبصراوي والمنيرة، وكلها أحياء شعبية تعاني ضغوطا اجتماعية قاسية. يتقلب مصطفى في عدد من الأعمال البسيطة من بينها “كومبارس” في السينما، مما يتيح له التعرف على إحدى الفنانات، ويعمل صبيا لها. على بيت هذه الفنانة يتردد مدير التحرير الذي يضطهد عصام بطل الرواية. ويرتب مصطفى لقاء لصديقه عصام مع الفنانة التي تحكي له أسرار مدير التحرير والتي ليس أقلها عجزه الجنسي. من بيت هذه الفنانة أيضا يصدر قرار تعيين مصطفى نفسه في الصحيفة زميلا لعصام.
على أن يدرك أن وراء المسألة أكثر من “مجرد ولد ومات”. ويصبح هذا الولد بمثابة الحلم أو الطموح أو الهدف الضائع، الذي يؤدي ضياعه إلى ضياع البطل نفسه في دوامة أحداث عشوائية كالأماكن التي يعيش فيها. ولا يبدأ حاله في الصلاح إلا حينما تحمل منه حبيبته وتدعوه إلى أن يتسمع صوت الجنين في بطنها.
سماح أيضا بطلة وجودية عاشت محنة “الجحيم هو الآخرون” كما يقول سارتر. فهؤلاء الآخرون اتهموها يوما في شرفها. لفرط أنوثتها عجز عريسها عن فض بكارتها ليلة زفافها، فاتهمها بأنها غير عذراء. يقول سارتر إن المرأة الشديدة الجمال تقتل الرغبة. ولكن العريس فقد الرغبة، والقدرة أيضا. وكان عليها أن تثبت العكس في طقس شعبي مهين ومحطم للنفس في حضور الطبيب ونساء الأسرة. بعدها تركت بيتها وبيت أهلها واختارت حريتها.